
“أمي نزهة”.. حارسة دار شباب بالرحامنة تواجه الإفراغ والتشرد
“عيدٌ بأيّ حال عدتَ يا عيد.. بما مضى أم لأمر فيك تجديد”، هكذا قال المتنبي؛ لكن لسان حال السيدة نزهة عارف، وهي تلاقي احتفالات اليوم العالمي للمرأة، الذي تحتفل به الجمعيات في كل مكان بما فيه الرحامنة وسلطاتها، يقول غير ذلك.
السيدة التي كابدت لسنين طويلة، تنظف وتحرس وتساعد الإدارة والجمعيات، أضحت مطالبة بإفراغ غرفة بمؤسسة دار الشباب بسيدي بوعثمان بإقليم الرحامنة، بدعوى “احتلالها”.
احتلال قاعة !
سنة 1996، انطلقت أوراش بناء مؤسسة دار الشباب بجماعة سيدي بوعثمان، كانت الساكنة تنتظر هذه المعلمة التابعة لوزارة الشباب والرياضة، بكل شغف وترقب. خلال هذه الفترة، كانت السيدة نزهة، رفقة زوجها تقوم بحراسة المكان والسهر على العتاد الذي يعود إلى المقاول المشرف على البناء.
حتى هنا تكون الأمور عادية؛ لكن المقاول غادر المكان، لتظل السيدة رفقة زوجها هناك، دون مقابل عن هذه المهمة.
طوال هذه السنوات، ومنذ افتتاح المؤسسة أواخر التسعينيات، حين كانت تابعة لمندوبية الشباب والرياضة بقلعة السراغنة، كانت السيدة تقوم بحراسة المكان رفقة زوجها، وهي تسدي للمؤسسة خدمات لفائدة الوزارة والجمعيات التي تنشط بالدار، من تنظيف وإعداد لها خلال المناسبات وغيرها.
استطاعت “أمي نزهة”، كما يناديها الصغير والكبير بالمنطقة، حسب العديد من الناشطين الجمعويين، أن تدخل قلوب كل من ولج المؤسسة. الذين مروا من دار الشباب بسيدي بوعثمان، منهم من يشغل منصبا كبيرا في الدولة، ومنهم من صار أستاذا جامعيا، طبيبا وغيره، يتذكرون “أمي نزهة” ويكنون لها الاحترام على ما أسدته ولا تزال لهذه الدار.
ويؤكد كل من يعرف السيدة عن قرب، وكل من ترعرع بالمؤسسة ذات زمن سواء مع جمعية أو حضر نشاطا تنظمه المندوبية، أنها كانت تقوم طوال الوقت بتنظيف دار الشباب ومساعدة الجمعيات في أنشطتها.
لكن السيدة نزهة عارف، التي يفوق عمرها خمسين عاما وتعيش لوحدها، ستجد نفسها في السنوات الأخيرة، محاصرة بدعوى قضائية من لدن رئيس الحكومة ووزير الشباب والرياضة ومن يقوم مقامهما، يتهمانها بـ”احتلال قاعة”!.
ما يثير الاستغراب في هذه القضية، حسب عدد من الناشطين الجمعويين الذين اشتغلوا في المؤسسة وكانت لهم علاقة مع السيدة، هو أن رجال السلطة بمختلف رتبهم، من عامل قلعة السراغنة سابقا ثم الرحامنة وباقي القياد ورؤساء دائرة سيدي بوعثمان، على علم بوجود السيدة بالمكان المذكور.
“أمي نزهة” تستغيث
لم تجد السيدة نزهة عارف، وهي تعيش لوحدها بعد وفاة زوجها، ما تسد به رمقها، طالما أنها “ليست موظفة أو عونا” حسب المندوب الإقليمي لوزارة الشباب والرياضة؛ وهو ما اضطرها إلى البحث عن عمل يوازي المهام التي تقوم بها داخل المؤسسة من حراسة وتنظيف وغيرهما.
مجرد النظر في وجه هذه السيدة الذي طالته تجاعيد السنين، وأنهكته “قلة اليد”، تظهر لك المعاناة التي تعيشها، قبل أن ينضاف إليها هذا الكابوس الجديد الذي بات يطاردها منذ أن علمت بدعوى مرفوعة ضدها تطالبها بإخلاء قاعة تتخذها مكانا للمبيت فيه ويتهمها أصحابها بـ”احتلالها”.
تروي “أمي نزهة”، لجريدة هسبريس الإلكترونية، والدموع تنهمر من مقلتيها، أنها عاشت سنوات في هذه المؤسسة، دون أن تتلقى أيّ درهم عما كانت تقوم به من مهام؛ إلا أنها وجدت نفسها تواجه قرار الطرد واتهامها باحتلال القاعة.
لا تطالب السيدة الخمسينية، التي تعيش وابنتها بالمكان المذكور، من الجهات الوصية، سواء وزارة الشباب والرياضة أو السلطات المحلية والإقليمية، بالبقاء في هذه القاعة؛ بل إنها تبحث فقط عن مكان تستقر فيه وتكمل فيه ما تبقى من أيام في عمرها، حسب ما أكدته لهسبريس.
الجمعيات تتضامن
لم يخف الحبيب الموساوي، رئيس شبكة اتحاد جمعيات سيدي بوعثمان للتنمية، استغرابه من الوضع الذي آلت إليه “أمي نزهة”، والتي قضت سنوات طويلة وهي تؤمن المكان وتنظفه أمام أعين السلطات المحلية.0
وأعرب رئيس الشبكة، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، عن تضامن الهيئة الجمعوية مع “أمي نزهة” لكونها “قضت فترة في هذه المؤسسة ونرفض رميها إلى الشارع، ومستعدون الدفاع عنها من أجل صيانة كرامتها”.
وأضاف المتحدث نفسه أن هذه السيدة “أفنت عمرها في خدمة المؤسسة، وكانت تسهر على إعداد وجبات وغيرها لفائدة الإدارة والتنظيف، وتقوم بدور الإنعاش وغيرها”، مشددا على أنه “وجب مراعاة ظروفها وعدم التعامل معها بهذه الطريقة”.
ولفت الموساوي، ضمن تصريحه، إلى أن الجهات الوصية يجب أن “تلتزم بالشق الاجتماعي، وبالتالي وجب صيانة كرامة السيدة التي قضت زهرة شبابها في القيام بمهام لفائدة المؤسسة؛ الأمر الذي يفرض البحث عن بديل لها”.
وبعد أن أوضح أن الجمعيات في جماعة الجبيلات القروية التي تنشط بالمؤسسة الوحيدة في المنطقة تعرب عن تضامنها مع هذه السيدة، أكد أن “أمي نزهة” لا تطالب بالبقاء في هذا المكان ولا تصر على ذلك؛ بل تريد حقها في السكن الذي يصونه لها الدستور، داعيا السلطات الإقليمية إلى التدخل وإيجاد حل يصون كرامتها.
أحد الفاعلين بالمنطقة اعتبر أن السيدة لا يجب رميها هكذا إلى الشارع، خاصة أنها لا تزال قادرة على العطاء والعمل بعدما قضت سنين في هذه المهمة.
وأوضح المتحدث نفسه أنه بالإمكان أن يتم تشغيلها من لدن جمعية الموارد البشرية بالرحامنة، والتي تقوم بتوظيف العشرات؛ وهو الأمر الذي قد يضمن لها مورد رزق، لا سيما أنها تكابد من أجل ذلك مع إحدى الشركات الخاصة بثانوية سيدي بوعثمان.
الوزارة تتنصل
بالرغم من كل ما قدمته هذه السيدة للمؤسسة المذكورة، والتي عرفت إصلاحات عدة إبان فترة فؤاد عالي الهمة، فإن مسؤولي وزارة الشباب والرياضة، ممثلين في المندوبية الإقليمية بالرحامنة وقبلها قلعة السراغنة، ينفون صلة “أمي نزهة” بهم، وأن لا علاقة تربطها بهذا القطاع لا من قريب أو بعيد.
مولاي أحمد القاسيمي، المدير الإقليمي لوزارة الشباب والرياضة بابن جرير، أكد، في تصريحه للجريدة، أن السيدة نزهة عارف “ليست حارسة بالمؤسسة ولا تربطها أيه صلة بها”، مشيرا إلى أنها مطالبة بحسب قرار للمحكمة بالإفراغ.
ولطالما أفنت هذه السيدة، حسب عدد من الفاعلين الجمعويين بالمنطقة، عمرها في خدمة المؤسسة والوالجين إليها، وكذا في تهيئة وجبات الشاي لفائدة المسؤولين الذين يحلون بها في مختلف المناسبات؛ إلا أن المسؤول الإقليمي أوضح أن زوجها الراحل كان يشتغل حارسا لإحدى الشركات بالمؤسسة في فترة البناء، وبعد مغادرة المقاول “ظلا محتلين المكان، بالرغم من مطالبتهم بإفراغ القاعة”.
وأردف المتحدث نفسه على أن المحكمة أصدرت قرارها بـ”طرد نزهة عارف من القاعة الكائنة التي تستغلها مع تحميلها الصائر”، مشيرا إلى أنه “مهما طال الوقت أو قصر، فإن السيدة مطالبة بإفراغ المكان لكونه مرفق عمومي والمؤسسة في حاجة إلى استغلاله”.
لا يلزم مثل هذه السيدة الخمسينية، التي قضت سنوات طوال في خدمة أطفال وشباب المنطقة دون أجر على ذلك، سوى التفاتة من السلطات وتكريمها بمنحها حقها في السكن إسوة بباقي المواطنين، بدل التظاهر أمام الكاميرات بأننا “نعلي من قيمة المرأة!”.
هسبريس- عبد الإله شبل
تواصل معنا